ثقافة فيلم "حديث عن الأشجار" للمخرج السوداني صهيب قسم الباري: بين مأساة السياسة وأحلام السينمائيين
في فيلم "حديث عن الأشجار" للمخرج السوداني صهيب قسم الباري عودة لتاريخ السينما السودانية من خلال قصة تروي كيف حاول أربعة مخرجين سودانيين (إبراهيم شدّاد، والطيب مهدي، وسليمان إبراهيم النور، ومنار الحلو) اعادة الحياة لإحدى قاعات السينما بعد أنّ تم اغلاق فضاءات العرض بالسودان سنة 1989 اثر صعود عمر البشير لسدّة الحكم.
يصوّرهم قسم الباري كتماثيل حيّة من تاريخ قريب-بعيد تتقاطع فيه مأساة السياسة بإرادة الفنان اذ يحاول المخرجون الاربعة قلب معادلة فرضتها السلطة السياسية على الشأن السينمائي منذ قرابة 30 عاما، وقد تكون المسافة التي اتخذوها من أشياء الحياة هي التي حمتهم من الانهيار.
يستحضر الفيلم فصولا من ذاكرة متلاشية بدءا بالكلمة التي يتيحها المخرج لمؤسسيي "جماعة الفيلم السوداني"، مرورا بالقاعات المهجورة وبكرات أفلام "تروفو" و"بونويل" التي غزاها الغبار وارشيف أفلام سودانية لم ترى النور (فيلم التمساح على سبيل المثال) وأخرى تضمنت مشاهد فارقة من تاريخ السينما السودانية وصولا الى ممارسات التعذيب التي سُلّطت على المخرج إبراهيم شدّاد لانتزاع اعترافات حول انتماءات زملائه السياسية. شوارع أم درمان (العاصمة التاريخية للسودان) او بالأحرى مسالكها الترابية، قاعات سينماها المهجورة كلها شاهدة على موت الثقافة والسينما في حين تتعالى ابواق الدعاية الأيديولوجية هنا وهناك. يتساءل شدّاد مازحا: "هل ماتت السينما بشكل طبيعي ام بفعل فاعل؟ لا يمكن ان يفعل ذلك الا خائن أراد الانتقام من البطل..." جملة تحمل بين طيّاتها دلالات عديدة حول مكانة الفنان والمبدع في ظلّ أنظمة لا تعترف بقيمة الفن والفكر.
والفيلم عبارة عن محاولة لتجاوز المستحيلات، مستحيلات السياسة والمجتمع والعقليات البائسة والإدارة الموّظفة في بلد عانى من الدكتاتورية حتى بات مجرد عرض فيلم في قاعة سينما مهجورة عملية مشبوهة وشبه مستحيلة. "يأتي زمن يكون فيه مجرد الحديث عن الأشجار جريمة" تقول إحدى شخصيات الفيلم الأربعة لتبيّن حجم المأساة التي تعيشها البلاد.
يعمل صهيب قسم الباري على رد الاعتبار لـ"جماعة الفيلم السوداني" وعلى مشاركتهم حلمهم المتمثل في اعادة فتح أبواب قاعة "سينما "الثورة"، فمنهم يستمد الفيلم بنيانه الأوّل ومعهم يتواصل -رغم كل اللاءات- دوران عجلة جيل جديد من السينمائيين السودانيين أمثال أمجد أبو العلاء (ستموت في العشرين) ومحمد كردوفاني (وداعا جوليا) وصهيب قسم الباري (أفلام السودان المنسية والحديث عن الاشجار).
-عُرض فيلم "حديث عن الأشجار" صباح يوم الجمعة 28 جوان بقاعة سينما الحمراء في اطار ملتقى حول "أماكن السينيفيليا" من تنظيم معهد البحوث حول المغرب العربي المعاصر(IRMC)
-تحصل الفيلم على عدة جوائز منها التانيت الذهبي لأفضل فيلم وثائقي لأيام قرطاج السينمائية سنة 2019 وجائزة احسن فيلم وثائقي بمهرجان برلين السينمائي نفس السنة.
شيراز بن مراد